متابعات

الأزمة المالية للجزائر تزج بالبوليساريو في مطب الكركرات

ماذا يفعل البوليساريو في الكركرات التي تبعد حوالي 2000 كيلومتر عن تندوف؟. الجواب ببساطة السعي وراء الموارد المالية. فالبوليساريو، التي لا يمكن فهمها خارج صانعها، أصبحت تشكل عبئا ثقيلا على الجزائر. عبئا سياسيا بسبب وجود معسكراتها ومقراتها المدنية والعسكرية على أرض جزائرية، وعبئا ماليا كون الخزينة الجزائرية هي التي تتحمل كل المصاريف، من عيش وإقامة مسؤولي البوليساريو في تندوف إلى نفقات سفرياتهم إلى الخارج ومشاركتهم في الندوات والمؤتمرات، مرورا بمتطلبات فتح “سفارات وقنصليات وتمثيليات دبلوماسية”. والحال أن الميزانية الجزائرية لم تعد تحتمل بعد الانخفاض الكبير لأسعار النفط، ولجوء الدولة الجزائرية بشكل متزايد إلى جيوب المواطنين لتمويلها، إما بشكل مباشر عبر الزيادات في الضرائب كما جرى في ميزانية 2018، أم بشكل غير مباشر عبر طباعة أوراق مالية على المكشوف ومخاطر انعكاسات ذلك على مستوى التضخم.

ميزة الكركرات أنها تضم الطريق الوحيد الرابط بين دول غرب إفريقيا والعالم عبر مضيق جبل طارق وميناء طنجة الأطلسي. فالرواج التجاري عبر هذه الطريق مسيل للعاب. لذلك فإن أول ما أثار غضب الأمين العام للأمم المتحدة ومجلس الأمن على تحركات البوليساريو في الكركرات هو اعتراض وعرقلة حركة النقل المدني والتجاري والتسبب في تأخيرها. وحفلت تقارير الأمم المتحدة خلال العامين الأخيرين بالدعوات إلى عدم اعتراض أوعرقلة هذا الرواج. وفي التقرير الأخير للأمين العام للأمم المتحدة حول الصحراء، الذي سيرفعه هذه السنة لمجلس الأمن جرد لما “بلغ” الأمين العام من تحركات البوليساريو في المنطقة العازلة جنوب الكركرات. غير أن المسكوت عنه في هذه التقارير هو ما تسعى بوليساريو إليه من وراء هذه التحركات من فرض مكوس ورسوم مرور، وبالتالي الحصول على موارد مالية، سواء تعلق الأمر بالرواج التجاري أو نقل المسافرين، أم بالتظاهرات الدولية الكبرى التي تعبر المنطقة من قبيل سباقات السيارات والدراجات النارية. لهذه الاسباب أيضا رفضت البوليساريو قيام المغرب بأشغال لتوسعة وصيانة جزء الطريق الموجود في المنطقة العازلة.

لكن الذي لم يتضمنه التقرير هو الأحداث التي تعرفها المنطقة العازلة شرق الجدار الدفاعي المغربي، خصوصا في المحبس وبيرلحلو، البعيدتين بنحو 2000 كيلومتر عن الكركرات، والقريبتين من تندوف. بل إن الأمم المتحدة شككت عبر الناطق الرسمي باسمها في ادعاءات المغرب بهذا الصدد، الشيء الذي رد عليه المغرب بإرسال بوريطة إلى نيويورك أمس حاملا في حقيبته صور رصد القمر الصناعي المغربي الجديد لتحركات البوليساريو.

في المحبس وبير لحلو تحاول الجزائر تصريف أزمة العبء السياسي للبوليساريو عبر نقل منشآتها ومقارها “المدنية” والعسكرية إلى الجانب المغربي من الحدود في المنطقة العازلة خلف الجدار الأمني.

وجود مخيمات البوليساريو في تندوف فوق الأرض الجزائرية يفرض عليها الامتتال لاتفاقية جنيف حول اللاجئين، ومن ذلك إحصاؤهم وتحديد هويتهم، وتمتيعهم بالحقوق الأساسية في الشغل والصحة والتعليم وحرية التنقل. وعدم توفر ذلك كله يجعل الجزائر وصنيعتها في موقف حرج في المحافل الدولية. السبيل الوحيد للتخلص من هذا العبء هو نقل المعسكرات إلى الأرض المغربية، وهو ما اتبثته صور الأقمار الصناعية التي حملها بوريطة أمس إلى نيويورك، والتي تطهر كيث حفرت أسس وأقيمت منشأت وبنايات وثكنات عسكرية في المنطقة العازلة شرق الجدار الرملي بين شهر غشت وشهر مارس من هذه السنة.

وفي هذا السياق سبق لبوليساريو إعلان نقل وزارة دفاعه إلى بير لحلو قبل أيام، كما أنه لحد الآن لم يستقبل بعد كولن ستيوارت، الذي عين نهاية العام الماضي رئيسا لبعثة المينورسو، إذ يشترط البوليساريو أن يكون الاستقبال في بير لحلو أو المحبس وليس في تندوف كما جرت العادة.

لكن المشكلة أن ما يسمى المنطقة العازلة ليست أرضا بلا سيد. فكل تقارير ووثائق الأمم المتحدة ذات الصلة تعترف بأن هذه الأرض واقعة ضمن الحدود المغربية، أي بين الجدار الرملي الدفاعي والحدود الدولية للمغرب مع الجزائر وموريتانيا. وقبل المغرب بجعل هذه المنطقة “منطقة تماس عازلة ومنزوعة السلاح” والانسحاب منها مؤقتا، تعبيرا عن حسن النية، في إطار تنفيذ اتفاقية وقف إطلاق النار المبرمة في 1991 تحت إشراف الأمم المتحدة. غير أن التواجد العسكري للبوليساريو على هذه الأرض يعتبر خرقا لهذا الاتفاق ويضع المغرب في وضع الدفاع الشرعي عن النفس.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى