رئيسيةمحركات

داسيا سانديرو: كيف غزت أسواق أوروبا من مصانع المغرب؟

في 2024، برز اسم داسيا سانديرو كأحد أهم مفاجآت سوق السيارات الأوروبية. السيارة التي تُصنع في المغرب، وتحديدًا في مصانع طنجة والدار البيضاء، نجحت في أن تصبح الأكثر مبيعًا في القارة الأوروبية بأكملها، متفوقة على علامات عالمية اعتاد المستهلك الأوروبي رؤيتها في الصدارة مثل تويوتا كورولا أو سيات إيبيزا وأرونا أو حتى MG ZS. الأرقام الصادرة عن مؤسسة “JATO Dynamics” ومجموعة رينو المالكة لعلامة داسيا أوضحت أن سانديرو سجلت أكثر من 309 آلاف عملية بيع في أوروبا خلال فترة قصيرة، لتحتل المركز الأول بلا منازع، في إنجاز لم يسبق أن حققته سيارة وُصفت لسنوات بأنها الخيار الاقتصادي والبسيط.

الأكثر إثارة أن هذا النجاح لم يكن حكرًا على القارة ككل، بل انعكس بوضوح على السوق الإسبانية نفسها، التي تُعَدّ واحدة من أكثر الأسواق تنافسية. ورغم أن الإسبان يملكون علامات محلية مثل سيات، ورغم أن سيارات مثل إيبيزا وأرونا تُصنَّع داخل مصانع برشلونة، فإن سانديرو هي التي فازت بصدارة المبيعات في إسبانيا في نفس الفترة. صحيفة “دياريو موتور” الإسبانية المتخصصة وصفت الأمر بأنه تحول في ذوق المستهلك، فالسائق العادي لم يعد يكتفي بفكرة “السيارة الوطنية”، بل صار يبحث عن المعادلة التي تجمع بين السعر المناسب والجودة والاعتمادية، وهي معادلة أتقنتها سانديرو ببراعة.

وراء هذه النتائج قصة إنتاجية لا تقل إثارة. فـ مصنع طنجة، الذي يُعد من أضخم المنشآت الصناعية في شمال إفريقيا، أصبح المصدر الأول لسيارات سانديرو الموجهة إلى الأسواق الأوروبية. إلى جانبه يواصل مصنع الدار البيضاء (سومـاكـا) المساهمة في تلبية الطلب، فيما يحتفظ مصنع ميوفيني في رومانيا بدوره عبر إنتاج نسخ خاصة مثل سانديرو ستيبواي. ومع أن رومانيا هي الموطن الأصلي للعلامة، فإن المغرب تحول فعليًا إلى القاعدة الأساسية لتزويد السوق الأوروبية بهذا الطراز. ويؤكد خبراء الصناعة أن أغلب سيارات سانديرو التي تسير اليوم في طرق فرنسا وإسبانيا وألمانيا خرجت من خطوط التجميع في طنجة.

هذا النجاح يطرح أسئلة أوسع عن التحولات في صناعة السيارات الأوروبية. فـ المستهلك الذي يواجه تحديات اقتصادية وارتفاعًا في تكاليف المعيشة، أصبح أكثر براغماتية في اختياراته. لم يعد يبحث عن الاسم الكبير بقدر ما يبحث عن سيارة تؤدي الغرض بكفاءة وتكلفة معقولة. ولعل سر سانديرو يكمن في بساطتها: تصميم عملي، تجهيزات كافية لتلبية حاجات السائق العصري، اعتمادية مضمونة، وسعر لا يرهق الجيب. إنها وصفة بسيطة، لكنها أثبتت أنها قادرة على قلب موازين سوق السيارات لطالما سيطرت عليها أسماء ضخمة.

اليوم، حين نتأمل المشهد، تبدو سانديرو أكثر من مجرد سيارة ناجحة. إنها قصة عن كيف يمكن لمنتَج وُلد في مصانع المغرب أن يتصدر المشهد في أسواق عريقة مثل أوروبا، وعن كيف أن البساطة والذكاء في التسعير قد ينتصران على بريق العلامات التاريخية. إنها أيضًا انعكاس لعالم يتغير، حيث تتحول مراكز الإنتاج، وحيث يقود المستهلك بخياراته إعادة تشكيل خريطة صناعة السيارات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى