الثلاثاء 9 يونيو، بحي بوركَون أحد أعرق الأحياء البيضاوية وأشهرها، تجمع بشري غير اعتيادي، قرب “العوينة الحارة” كما تشتهر بين أبناء المدينة، حركة لم تشهد المنطقة مثلها منذ أزيد من أزيد من 14 شهرا بسبب تدابير الحجر الصحي التي منعت التجمعات واللقاءات وأحالت العديد من المرافق العمومية إلى ما يشبه الأطلال..
هنا في قاعة الرياضات التابع لوزارة الشباب والرياضة اختار حزب التجمع الوطني للأحرار عقد لقاءه الخامس والأخير ضمن سلسلة اللقاءات، التي قادته تباعا إلى كل من أكادير ومراكش وطنجة ووجدة، قبل أن يحط رحاله بالعاصمة الاقتصادية للمملكة في اختيار كان مدروسا بالنظر إلى قيمة ورمزية حي ومدينة أنجبت الكثير من رموز الوطن التي كان لها الفضل في إشعاع المملكة، ومن ضمنهم نوال المتوكل عضو المكتب السياسي، التي كانت أول المتدخلين حيث حكت مسار حياتها في حي بوركَون، الذي توجته بميدالية أولمبية هي الأولى لسيدة عربية، ثم مسؤوليات وزارية وأخرى في مؤسسات رياضية دولية.. هي نموذج ملهم يقدمه حزب الأحرار ليقنع المغاربة أن الكثير من الأحلام يمكن أن تتحقق رغم الصعوبات وكيد الخصوم.
فحص سريع وسيلفيات لتخليد المحطة..
في مدخل قاعة الرياضات نصبت خيمة لتمكين المشاركين من كشف سريع لفيروس كورونا، شباب يتكلفون بتسجيل بيانات الراغبين في الفحص غير الإلزامي، وفريق شبه طبي في فضاء داخلي يأخذ العينات ثم يحللها.. في الساحة أيضا فرق مكلفة بتسجيل المناضلين والصحافيين والمدعويين إلى لقاء يريد منه التجمع الوطني للأحرار أن يقدم صورة حزب التغيير الذي ينشده المغاربة ببرنامج واضح والتزامات محددة ولهذا حضر أغلب أعضاء المكتب السياسي فضلا عن منتخبين من جهات مختلفة..
أكثر العبارات التي يسمعها المرء هي: واش جا سعادة الرئيس؟ الكل ينتظر قدوم عزيز أخنوش، الذي أعطى الضوء الأخضر لانطلاق آخر محطة من الجولة التي سخرت لها إمكانيات لوجستية وتقنية تليق بمغرب ما بعد كورونا ومكنت العشرات من المناضلين في أقاليم بعيدة وخارج المغرب من تتبعها عبر تقنية الاتصال المرئي “زووم”.. موسيقى بنكهة مغربية على الخصوص.. ولى زمن أغاني الثورة وعوضتها أغاني شبابية تتناغم مع رغبة الحزب في إعطاء مساحة أكبر للشباب في قيادة التجربة.
القاعة تغص بالمئات من الحاضرين، الوجوه السياسية من المدينة المعروفة تتسابق على الصفوف الأمامية، وآخرون وجدوا في اللقاء فرصة لالتقاط أكبر عدد من صور السيلفي لتأكيد حضورهم في هذه المحطة المهمة إلى جانب قيادات الحزب، ومنها رشيد الطالبي العلمي وأنيس بيرو ومحمد بوسعيد ونادية فتاح ومباركة بوعيدة وأمينة بنخضرة اللذين يستسلمون للطلبات الملحة من شباب الحزب لالتقاط صورة للذكرى..
فنانون ورياضيون أبرزهم لطيفة أحرار التي تستعد للانخراط في منظمة جديدة تجمع الفنانين يستعد الحزب للإعلان عنها.. وعشرات أعضاء الشبيبة القادمين من أقاليم أخرى يتقدمهم ياسين عكاشة، ابن العائلة المنتمية تاريخيا للحزب، والذي أعلن رسميا ترشحه للانتخابات المرتقبة بإقليم بنسليمان، وياسمينة لمغور، نائبة رئيس الفيدرالية الوطنية للشبيبة التجمعية، التي تكلفت بتوزيع الرايات بشعار الحمامة على الحاضرين، قبل أن تشرح لاحقا في كلمتها كيف اختارت الانضمام إلى حزب تتوافق أدبياته مع قناعاتها، وكيف غير النضال في صفوفه نظرتها إلى المشاركة السياسية كشابة وجامعية تمثل جيلا من الشباب المدعو إلى المساهمة في أوراش تقدم المملكة.
هذه كلفة “أحلام” أخنوش وفريقه..
“الحملة الانتخابية للحزب لم تبدأ حاليا بل بدأت قبل خمس سنوات” يقول أديب سليكي، الوجه الإذاعي الذي استُدعي لتقديم الحفل، والذي لم يخف صداقته بالرئيس عزيز أخنوش التي تمتد إلى 14 سنة، ويتحدث عن مفاجئات يستعد الحزب للكشف عنها.
هل هي التزامات أم إجراءات أم حتى أحلام يتساءل سليكي تحت تصفيقات أعضاء الشبيبة؟ هل رفع أخنوش “البارا” بهذه الالتزامات وعددها 25 التزاما في المجموع؟ من أين ستتأتى الأموال لتنفيذ هذه “الأحلام”؟ مع تقديرات بأن ترتفع كلفة البرنامج الذي يقدمه الحزب إلى 275 مليار درهم في خمسة سنوات، بمعدل 55 مليار درهم لكل سنة؟
للإجابة عن هذه التساؤلات المرقمة، لم يجد مقدم الحفل أفضل من محمد بوسعيد، الوزير الأسبق الذي خبِر دواليب وزارة الاقتصاد والمالية وكواليسها.. لم يشأ بوسعيد الخوض كثيرا في تفاصيل الأرقام والمعطيات واكتفى بالقول: “أنا كنت هناك وأعرف كيف يمكن، بإجراءات عملية، توفير التمويلات اللازمة لكل ما نقترحه”.. قبل أن يستدرك بالقول: “مثلما تمكن حزبنا من إنقاذ تجربتي التناوب الأولى والثانية باستطاعته إنجاح تجربة التناوب المقبلة، ببرنامج هو خلاصة الإنصات لآلاف المغاربة الذين عبروا عن أولوياتهم، ولهذا نعدهم بأن تدبير ميزانية البرنامج لن تكون على حسابهم ولن نلجأ إلى رفع الضريبة على الشركات أو على الدخل لأنها أصلا مرتفعة، وحتى الظرفية الاقتصادية التي يعرفها المغرب، كما العالم، بفعل تداعيات جائحة كورونا السلبية على الاقتصاد الوطني لا تسمح بذلك”.
بوسعيد، الذي شدد على أن الحزب مدرب على تدبير الأزمات التي شهدتها المالية العمومية خلال السنوات الماضية ولديه من الكفاءات والأطر ما يسمح بتنفيذ أي إصلاحات، تعهد أيضا في حال فوز حزبه برئاسة الحكومة بالعمل على تدبير ميزانية برنامجه الانتخابي من خلال إعادة الانتشار للموارد المالية داخل الميزانية، ودعم الطبقة المتوسطة بعدد من الإجراءات التي من شأنها تشجيعها على الاستهلاك الذي يعد عاملا أساسيا في تحريك عجلة الاقتصاد، دون إغفال موارد صندوق الزكاة الذي يقترح إنشاءه ودعم الشراكة بين القطاع العام والخاص.. قبل أن يختم: “لن نغرق بلادنا في الاقتراض من أجل تطبيق هذه الالتزامات، ومن شأن تطبيق الإصلاحات التي نقدمها أن تقود خلال 2022 على تخفيض عجز الميزانية إلى 6,9 في المائة، ثم إلى 3,8 مع نهاية 2026.
الطالبي: “واش شي واحد كيشطح في أكادير كيخلعني؟”
هكذا علق رشيد الطالبي العلمي، عضو المكتب السياسي لحزب التجمع الوطني للأحرار على تعليقات كان أدلى بها عزيز الرباح، القيادي والوزير في صفوف حزب العدالة والتنمية بأكادير على البرنامج الذي أعلن عنه التجمع..
الطالبي، الذي ينظر إليه مناضلو الحزب على أنه واحد من الصقور التي تحسن رد الضربات التي يتلقاها الحزب من الخصوم، أضاف أنه شغل مناصب وزارية في حكومة التناوب، في عمر 36 سنة، وعايش كثيرا من التفاصيل لكن واجب التحفظ والمسؤولية يمنعه من الحديث أكثر، على خلاف ما يروج له الأعداء من أنه يخشى ملفا جديدا سيتم الكشف عنه.. مشددا على أن “حزب الأحرار اليوم أقوى مما يتوقع الآخرون بدليل أن وزراءه الحاليين والسابقين لم يعجزوا أمام الأزمات التي واجهتهم كما هو الشأن بالنسبة لبوسعيد وأخنوش ونادية فتاح ومولاي حفيظ العلمي.. و”اللي جبدنا فأنا موجود”، يقول القيادي، تحت هتافات أعضاء الشبيبة المتسلحين بميكروفونات يعم صداها أرجاء قاعة الرياضات.
ومثل زملاءه لم يجد الطالبي العلمي، حرجا في رفع سقف الالتزامات كما فعل من سبقوه إلى المنصة، حيث توقع فوز حزبه بـ100 مقعد، خلال الاستحقاقات الانتخابية التشريعية المقبلة، وقال في هذا الصدد: لن نكتفي بما حصلنا عليه في الانتخابات السابقة لسنة 2016، أي 37 مقعدا وهي نتيجة “مرضتنا” وفقدنا معها مستوانا، كما لن نقبل فقط بمضاعفتها إلى 60 مقعدا بل سنرفع التحدي إلى 100 مقعد، لأن الحزب قطع مع ممارسات الماضي، التي كان تصاغ فيها البرامج قبل 15 يوما من موعد الانتخابات، وكانت توزع فيها التزكيات، كما المناصب على الأقارب.. لم نعد حزب أشخاص وتحولنا إلى حزب بمنظومة واضحة، وهذا ما سيقودنا إلى ترأس الحكومة المقبلة”.
ولأن من سبقوا الطالبي إلى المنصة تشاركوا مع الحاضرين قصصهم، فهو أيضا استأذن كي يحكي قصة ابنة زميله في المكتب السياسي أنيس بيرو التي تدرس في إنجلترا، وعاشت وضعية صعبة بسبب تدابير الحجر الصحي التي كانت تحول دون تزودها بما تحتاجه للأكل مع إغلاق المحلات التجارية، ما يضطرها لانتظار خدمات توصيل الطلبيات لأكثر من أسبوعين وأقصى ما تحصل عليه بمشقة هو كيس أرز.. ليعلق العلمي: “المغرب لم يعرف أزمة خلال فترة الحجر الصحي، وتمكن من ضمان سيادته الغذائية، وهذا دليل آخر على نجاح رئيسنا عزيز أخنوش في مسؤولياته الحكومية، كما نجح سابقا في القطاع الخاص وفي الحزب أيضا.. ولهذا فلا يمكنه أن يفشل مستقبلا كرئيس للحكومة”.
كانت الجولات التي قادت أخنوش وفرقه إلى 5 مدن، فرصة لبسط تفاصيل البرنامج الانتخابي الذي يقترحه حزب التجمع الوطني للأحرار لكسب ثقة المغاربة والتي تم تركيزها في ورش الحماية الاجتماعية، وورش الصحة وورش التشغيل وورش التعليم ثم ورش إصلاح الإدارة.. وخلال المحطة الأخيرة أعاد رئيس الحزب التأكيد على إمكانية تحقيق هذه الوعود دون أدنى مشاكل. حيث قال: أنصتنا لأزيد من 300 ألف مواطن على مدار 5 سنوات وقادتنا لعشرات الجولات عبر ربوع المملكة، وما نعرضه اليوم هو خلاصة النقاط 25 التي نلتزم بها اليوم، وعلى السياسي أن يتخذ أولويات ونحن قررنا أن أولوياتنا الآن هما قطاعا التعليم والصحة وسنخصص لهما إمكانيات أكبر وميزانيات أكبر”.
أخنوش أضاف “المغاربة كيستاهلو الصحة لأنهم يريدون الكرامة، وتعليما في المستوى لأنهم يريدون تكافؤ الفرص، والشغل لأنهم يريدون التمكين، وأيضا إدارة تصنت لهم وتُسهّل لهم الأمور (..) هناك أزمة كبيرة ووضعية اقتصادية صعبة وسنفقد أكثر من 600 ألف منصب شغل ولا نعرف إلى الآن كم سنسترد منها.. لهذا نلتزم بخلق مليون منصب شغل ضمنها 250 الف منصب عبر برنامج “فرصة” الذي أتبث نجاحه في أكادير، فضلا عن برنامج آخر سيمكن من خلق 250 ألف منصب عبر إطلاق مشاريع الأشغال الكبرى”.
رئيس حزب الحمامة يشدد على ضرورة التحرك بعد أزمة كوفيد، وقال: “كل البرامج التي نقترح تهدف إلى تحريك عجلة الاقتصاد وهو ما يصب في مصلحة المواطنين، وحتى تمويلها فكرنا فيه عبر إعادة توجيه نفقات الدولة نحو هذه الأولويات، ومداخيل المساهمات في صندوق الزكاة، والحفاظ على مساهمة التضامن الاجتماعي مع التزامنا بعدم الزيادة في الضريبة على الدخل، أو الضريبة على القيمة المضافة، ثم بذل جميع الجهود في استخلاص الضرائب الواجب تأديتها.. ليشير: “الحزب يلتزم بتنفيذ سليم لهذا الورش، من خلال مواصلة تنزيل التغطية الصحية الإجبارية والإعانات العائلية. وفيما يخص “مدخول الكرامة” لكبار السن، ومواكبة ذوي الاحتياجات الخاصة، والمنحة عن الولادة، فهي إجراءات إضافية يقترحها الأحرار ويلتزم بتطبيقها.