
بقلم: عبد الله الترابي
صحافي وكاتب رأي
بعد الجدل الذي أعقب “واقعة عبد اللطيف وهبي” وما صاحبها من تسريبات لوثائق ضريبية وإدارية منسوبة لمسؤولين عموميين مغاربة، سألت نفسي: هل كانت مثل هذه التسريبات لتثير نفس القدر من الجدل والاضطراب واللبس في التعامل معها لو حدثت في دول متقدمة وديمقراطية؟
الجواب ببساطة هو : لا . ففي تلك الدول، تكون مثل هذه المعلومات متاحة ومفتوحة لجميع المواطنين للاطلاع عليها، وما دام الشخص قد اختار الدخول إلى مجال التسيير العام والمشاركة في وضع القوانين والتمتع بالمنصب والنفوذ الذي تمنحه المسؤولية العمومية، فعليه أيضاً أن يقبل بقواعد الشفافيةالمتعلقة بذمته المالية وممتلكاته، وأن يُزيل تماماً أي شبهة ممكنة حول تضارب المصالح.
لنأخذ فرنسا، وهي الدولة التي ضرب بها عبد اللطيف وهبي المثل، وإن لم تكن جنة للعدالة أو نموذجاً مطلقاً لنزاهة المسؤولين السياسيين والعموميين. في فرنسا، توجد هيئة مستقلة (الهيئة العليا لشفافية الحياة العامة) تتولى جمع ومراجعة وتدقيق التصريحات بالممتلكات، وأيضاً المصالح المهنية والاقتصادية للمسؤولين وزوجاتهم أو أزواجهن.
يخضع لهذه التصريحات حوالي 18 ألف مسؤول عام، بدءاً من رئيس البلاد وصولاً إلى المنتخبين المحليين. يتم نشر هذه التصريحات وتصبح علنية، ويمكن لأي مواطن الاطلاع عليها عبر موقع الهيئة ببحث لا يستغرق أكثر من دقيقة. وفي حال حدوث أي تغيير في هذه المعطيات الشخصية (مثل شراء عقار أو امتلاك أسهم)، يتم تحديث البيانات على الموقع بشكل فوري.
توجد خانة بجانب كل اسم مسؤول عام، تُظهر مصالحه المالية والاقتصادية والمهنية و أيضا مصالح زوجته ( كالمهنة والقطاع، الشركات التي عمل بها أو يساهم فيها، مجالس الإدارة التي كان عضواً فيها، وحتى الأعمال الخيرية التي يقوم بها). وفي حال وجود تداخل بين المهام الوزارية أو السياسية وواحدة من هذه المصالح الشخصية، يُنزع منه تدبير هذا القطاع أو الإدارة المعنية ويُوكل لوزير آخر أو للوزير الأول. (كمثال، تم نزع تدبير معهد تابع لوزيرة الصحة السابقة لأن زوجها يعمل بهذا المعهد). كل هذه المعطيات مفتوحة ومتاحة للعموم.
الهدف من كل هذا هو وضع قواعد شفافة وواضحة تحمي المؤسسات الديمقراطية والاقتصاد والمجتمع من أخطار تضارب المصالح والخلط بين المالية الخاصة والعامة، وجعل المعطيات المتعلقة بها واضحة ومفتوحة للجميع. وفي ذلك أيضاً حماية للمسؤولين العموميين من الافتراء والكذب والتجني. ومرة أخرى، هناك نماذج أكثر صرامة من فرنسا، لكنها الأقرب لقوانينا ومؤسساتنا، فقد أعطيت مثلا بها .
فما الذي يمنعنا من فعل ذلك في المغرب، بدلاً من أن نبقى عرضة للتسريبات والقيل والقال و”تخراج العينين”؟





