وجهات نظر

في عصر البيانات.. هل ستكون مؤسستكم من رواد التقنيات الرقمية في المستقبل؟

بقلم  محمد أمين

النائب الأول للرئيس لمنطقة الشرق الأوسط وروسيا وإفريقيا وتركيا في “دِل تكنولوجيز”

 

يشهد العالم الذي نعرفه تغييرات هائلة تفرضها التكنولوجيا، فمنذ تفشي الجائحة، كان هناك تغييرات كبيرة في طريقة ممارسة حياتنا وأعمالنا وتواصلنا مع بعضنا البعض، وإن هذا التنوع الكبير في التقنيات التي تعمل معًا يشير إلى أن نجاح أي شركة خلال العقد المقبل سيكون منوطًا بقدرتها على دمج التقنيات الرقمية في صميم أعمالها. لقد قدمت وتيرة التطور التي فرضتها الجائحة لمحة عما هو ممكن، وها نحن نقف اليوم عند منعطف مهم ولدينا الأدوات اللازمة لإحداث ثورة حقيقية في الصناعات الحيوية وتقديمها بشكل جديد كليًا.

وفي الوقت الذي بدأت فيه البلدان من حول العالم في تصور شكل “العمل” في عالم ما بعد الجائحة، لا بد من النظر لهذا الأمر من جانب الأعمال. فخلال حواراتي مع عملائنا، وجدت بأنهم يتفقون على أمر واحد، وهو أن التحول الرقمي لم يعد مجرد رفاهية أو أمر شكلي، إنه اليوم ضرورة أساسية لنجاح الأعمال. وبالنظر إلى اتساع نطاق التقنيات الرقمية والتغييرات التي تعد بها، تخوض المؤسسات في منطقة الشرق الأوسط وروسيا وإفريقيا وتركيا سباقًا محمومًا لتحويل أعمالها إلى العالم الرقمي. وبالرغم من أن بعض الشركات قد حققت قفزات نوعية نحو المستقبل مستفيدة من قلة التحديات المرتبطة ببنيتها التقليدية، لا تزال معظم الشركات تسعى جاهدة لتسريع أجندات تكنولوجيا المعلومات لديها.

ومع زيادة التركيز على التكنولوجيا كمنصة للابتكار ضمن المؤسسة، يبدو بأن الشركات ترتكب خطأً شائعًا، يتمثل في التركيز على الاستثمار في التقنيات الأحدث والأفضل، من دون وجود تصور واضح حول تأثيرها الفعلي على المؤسسة.

على الشركات إعادة تصور وابتكار خدماتها ونماذج شراكاتها

على مستوى تكنولوجيا المعلومات، من الضروري الابتكار باستخدام البيانات وتحديث التطبيقات وبناء بنية تحتية مرنة وآمنة لتكنولوجيا المعلومات. ويتطلب الأمر توفر مهارات وأساليب جديدة في التفكير، لكي تتاح أمام المؤسسات التي تنجح في هذه الخطوة القدرة على المنافسة والابتكار واكتساب فرص أكثر في السوق وتحقيق إيرادات أعلى، وضمان نجاح أعمالها على المدى البعيد.

وبعد ذلك، تحتاج المؤسسات إلى أنظمة مرنة يمكنها أن تنمو وتكبر بالتوازي مع نمو الأعمال لتحقيق أقصى فائدة من استثمارات رأس المال. إذ يمكن أن يساهم اعتماد بنى تحتية مرنة في خفض النفقات التشغيلية من خلال زيادة توفر النظام وتحسين إنتاجية فريق تكنولوجيا المعلومات. ويضاف إلى ذلك أن معدلات نمو البيانات آخذة في الزيادة بينما تعمل العديد من المؤسسات على إدارة ما يزيد عن خمسة أنظمة مختلفة لتكنولوجيا المعلومات من أجل تعبئة وتحليل وحماية بياناتها، وهو ما يخلق مزيدًا من التعقيدات وعدم الوضوح في البيانات.

التقنيات الجديدة تعد ببناء عالم قائم على البيانات في كل مكان

إن البيانات هي شريان الحياة لكل عمل تجاري، فهي تسمح للمؤسسات بالابتكار بأساليب لم تكن متاحة من قبل. ستصبح السيارات ذاتية القيادة بالكامل. ستساهم تقنيات الجراحة عن بعد في إلغاء الحواجز والعقبات أمام الحصول على الرعاية الصحية الضرورية. وستغير المدن الذكية حياتنا اليومية كليًا. ومع تسارع وتيرة التحول، هناك حاجة لبناء نموذج أعمال قائم على البيانات في كل مكان من أجل اغتنام الفرص المتاحة أمامنا.

وبينما ندخل عصر البيانات الضخمة (زيتابايت) ومع تشغيل المزيد والمزيد من الأجهزة، ثمة احتمال بأن تقع المؤسسات تحت ضغط هائل في حال لم تستعد بالشكل المناسب. إن كل زيتابايت يعادل تريليون جيجابايت، ما يعادل 250 مليون قرص DVD من البيانات المخزنة. ويمكن أن نفهم مدى أهمية هذا الأمر حين ندرك بأنه سيتم توليد 175 زيتابايت من البيانات، على أقل تقدير، من خلال البشر والأجهزة خلال السنوات الخمس المقبلة فقط، وفقًا لتقرير شركة البيانات الدولية.

وهنا تعتبر الحوسبة الطرفية أحد الجوانب المهمة للبيانات، فهي شرط أساسي لتوفر اتصالات الجيل الخامس، وتغذي بالفعل الأجهزة العاملة بالذكاء الاصطناعي الذي يربط مدننا ومنازلنا بالإنترنت. ويمكن الاستفادة من إمكانات الحوسبة الطرفية في جمع البيانات وتخزينها ومعالجتها وتحليلها في المكان الذي تتولد فيه، عوضًا عن معالجتها مركزيًا في الموقع. وبذلك يمكننا إطلاق العنان لقوة تقنيات الجيل الخامس وتسريعها.

وعلاوة على ذلك، من الواضح بأن التحول الرقمي يتم على مستويات مختلفة عبر مجموعات تكنولوجيا المعلومات في المؤسسات. ومع ظهور تقنيات الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة والسحابة المتعددة وإنترنت الأشياء وغيرها، تحتاج المؤسسات إلى التعامل مع هذه التقنيات المختلفة لبناء بنية تحتية تقلل من مخاطر تفوّق المنافسين عليها رقميًا.

ولذلك، فإنه من الضروري وضع أساس مستقبل الأعمال ليقوم على تقنيات آمنة ومرنة للحوسبة والشبكات وإدارة وتخزين البيانات، بحيث يمكن تخصيص هذه التقنيات لتلبي احتياجات الأعمال وتوسيع نطاقها بمرور الوقت.

الخلاصة

في وقت بدأنا بتجاوز الجائحة حول العالم، أنا متفائل بخصوص الفرص المتاحة في القطاع الرقمي في منطقتنا، حيث تقود الحكومات جهود تعزيز التحول الرقمي بهدف تحسين تجارب المواطنين ودفع عجلة النمو الاقتصادي. ومن الجوانب الأخرى للتحول الرقمي هو تسخير البيانات لتسريع المساواة في مكان العمل، وتمكين التنويع بين الجنسين، ومنح فرص متكافئة ومتساوية للجميع. فحين نغرس بذور الشمولية، سنحصد ثمار الابتكار والقدرة على الازدهار والتقدم.

ولا بد أن نتطلع بحماس نحو الإمكانيات الكبيرة وقدرة البيانات والتحول الرقمي على تعزيز الازدهار الاجتماعي والاقتصادي وإنجاح الأعمال على المدى البعيد. والأمر اليوم منوط بالمؤسسات، هل ترغب بالانتظار حتى يفوتها الركب، أو المبادرة لتكون من رواد التقنيات الرقمية في المستقبل؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى