
في ظل الطفرة المتواصلة التي تعرفها سوق العملات الرقمية (Crypto)، أصبح من الواضح أن هذه الأصول الرقمية لم تعد هامشية أو موجهة فقط لهواة التكنولوجيا، بل تحولت إلى أحد المكونات الأساسية في المشهد المالي العالمي. سنة 2025 تشهد مرحلة مفصلية في تطور البيتكوين (Bitcoin) والإيثيريوم (Ethereum)، مع تسجيل تحركات ملموسة نحو تقنينها وتوسيع استخدامها.
البيتكوين يواصل الصعود
بلغت القيمة السوقية الإجمالية للعملات المشفّرة خلال يوليوز 2025 أزيد من أربعة تريليونات دولار، في وقت سجلت فيه عملة البيتكوين ارتفاعًا قياسيًا، متجاوزة سقف 123 ألف دولار، قبل أن تستقر في حدود 119 ألف دولار. أما عملة الإيثيريوم، ثاني أكبر الأصول الرقمية، فاستقرت أسعارها قرب 3,700 دولار، مما يعكس استمرار الطلب القوي وثقة المستثمرين في هذه السوق.
قفزة تشريعية في الولايات المتحدة
شهدت الساحة الأمريكية صدور أول قانون شامل ينظم العملات المستقرة (Stablecoins)، وهو ما فتح الباب أمام تقنين التداول في الـStablecoins وربطها بالأنظمة التنظيمية. ويُنتظر أن تستكمل الولايات المتحدة هذا المسار عبر تشريعات تعنى بمزيد من الأصول الرقمية وتنظيم المنصات المؤسسية مثل Binance وغيرها.
البنوك تدخل على الخط
في سابقة لافتة، بدأت بعض المؤسسات البنكية الكبرى في دراسة إمكانية منح قروض بضمان حيازات العملاء من البيتكوين أو الإيثيريوم، وهو ما كان يُعتبر أمرًا غير مطروح قبل سنوات قليلة فقط. كما عمدت بعض الشركات الكبرى إلى تعزيز احتياطاتها من هذه العملات.
في المغرب… نمو متواصل رغم غياب التأطير
رغم أن التداول في العملات الرقمية لا يزال ممنوعًا رسميًا منذ 2017، إلا أن سوق Bitcoin وCrypto في المغرب يشهد انتشارًا واسعًا خاصة بين الشباب. تشير التقديرات إلى أن عدد مستخدمي العملات الرقمية يتجاوز 3 ملايين شخص، أي ما يعادل حوالي 8% من عدد السكان.
المغرب يتصدر بلدان شمال إفريقيا في حجم تعاملات Bitcoin وpeer‑to‑peer (P2P)، رغم الحظر، وذلك بفضل الإقبال الكبير على المنصات الرقمية.
إصلاح مرتقب في الأفق
ينتظر أن يُعرض قريبًا مشروع قانون ينظم التداول بالعملات المشفّرة في المغرب، بعد دراسات ومشاورات دامجة، تشمل آليات الترخيص، والتشريع المتعلق ب‑NFT والرموز غير القابلة للاستبدال (NFTs)، فضلاً عن فرض ضرائب على الأرباح والرأسمال.
ينتظر أن يُعرض قريبًا مشروع قانون لتنظيم التداول بالعملات المشفّرة في المغرب، وهو مشروع أعده بنك المغرب بمشاركة جميع الجهات المعنية، وبدعم تقني من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. مشروع القانون تم تقديمه إلى وزارة المالية وينتظر مصادقة الحكومة قبل عرضه على البرلمان لبدء إجراءات النقاش والمصادقة النهائية.
أكد عبد اللطيف الجواهري أن المسودة القانونية أصبحت “جاهزة” حاليًا، كما يُنجز العمل على النصوص التطبيقية ذات الصلة، مع الحفاظ على توازن دقيق بين الأمان المالي ومرونة الابتكار. وأوضح أن الإطار التشريعي سيوفر ضوابط واضحة لمستخدمي العملات المشفّرة والمستثمرين، يحدد بالتفصيل مسؤوليات كل طرف، مع مراعاة المخاطر التي تطرأ من التعامل بهذه الأصول.
كما أوضح والي بنك المغرب أن مشروع التشريع سيتضمن، ضمن مفاصله، ضوابط للترخيص والتنظيم، إلى جانب أحكام تتعلق بالـ NFTs (الرموز غير القابلة للاستبدال)، ومواضيع الضرائب على الأرباح والرأسمال الناتج من التداول بهذه الأصول. والهدف من هذا الإطار هو تنظيم السوق بشفافية، حمايته من المخاطر، وفي الوقت نفسه تحفيز الابتكار المالي الرقمي.
في الوقت نفسه، يعمل بنك المغرب على مشروع الدرهم الرقمي (CBDC)، كبديل رقمي تحت سيطرة البنك المركزي، يمكن أن يسهم في تعزيز الإدماج المالي وتقليص الاعتماد على النقد الورقي، في أفق تجريبي متكامل مع قانون الكريبتو المرتقب
التحديات والرهانات
رغم المؤشرات الإيجابية، لا تزال هناك مخاطر حقيقية تشمل انتشار معاملات غير رسمية عبر P2P، واحتمال الاستخدام غير المشروع في استيراد عقارات أو تحويلات مالية دون إشراف رسمي.
نحو مستقبل رقمّي أكثر نضجًا
المشهد الحالي يوضح أن الكريبتو (crypto) لم يعد مجرد ظاهرة، بل خيارًا استراتيجيًا للمستثمرين والمستخدمين، خصوصًا في عصر البلوكشين (Blockchain) والبحث عن بدائل آمنة للتحويلات والادخار. إذا نجح المغرب في وضع الإطار القانوني المناسب، فسينفتح المجال أمام تطوير الذكاء الاصطناعي المدمج بـBlockchain، واستدامة بيئة مالية رقمية تنخرط فيها فئة واسعة من المجتمع.






