
سجلت المجموعة العامة لأشغال المغرب (SGTM) دخولاً غير مسبوق إلى بورصة الدار البيضاء، بعد إتمام عملية اكتتاب عام أولي اعتُبرت الأضخم في تاريخ السوق من حيث الإقبال وعدد المكتتبين وحجم الطلب مقارنة بالعرض.
فقد بلغ إجمالي الطلب 171 مليار درهم مقابل عرض لا يتجاوز 5,04 مليارات درهم ناتجة عن طرح 12 مليون سهم تمثل 20% من رأسمال الشركة البالغ 60 مليون سهم، ما يعني اكتتاباً بواقع 34 مرة ونسبة رضا في حدود 2,94% فقط، وهي أرقام حولت العملية إلى مرجع جديد في تاريخ سوق الرساميل المغربي.
وشارك في الاكتتاب 171.377 مستثمراً بحسب الأرقام الرسمية، ليكون هذا الطرح العام الأولي الأكبر من حيث عدد المشاركين، متجاوزاً العملية التاريخية لإدراج Maroc Telecom سنة 2004، ومكرساً تحولاً في علاقة المغاربة والمستثمرين المؤسساتيين بالبورصة كقناة لتوظيف المدخرات.
هذه النتيجة جاءت تتويجاً لمسار تحضيري طويل، بدأ بمصادقة الجمعية العامة المختلطة لمساهمي SGTM في 14 نونبر 2025 على مبدأ فتح 20% من الرأسمال للعموم، تلاه قرار لمجلس الإدارة في 17 نونبر بتحديد صيغ التنفيذ، قبل أن تمنح الهيئة المغربية لسوق الرساميل تأشيرتها على نشرة العملية تحت رقم VI/EM/037/2025 في 17 نونبر، لتُفتح فترة الاكتتاب بين فاتح و8 دجنبر قبل أن يمتد الاهتمام العملي إلى حدود 11 دجنبر بفعل زخم الطلب.
وتم تحديد السعر المرجعي للسهم في 420 درهماً، مع نظام تسعير تفاضلي يروم تشجيع الانخراط الدائم لصغار المدخرين وموظفي المجموعة، حيث استفاد الموظفون والمتقاعدون من خصم مهم يقارب 19% عند مستوى يقارب 340 درهماً للسهم، بينما خُصص لصغار المكتتبين الذين لا تتجاوز طلباتهم 5 ملايين درهم خصم في حدود 9,5% بسعر 380 درهماً، في حين اعتمد السعر الكامل للمؤسسات والمستثمرين الكبار.
وخصصت شريحة بقيمة تقارب 190 مليون درهم للعاملين داخل المجموعة، وأخرى تناهز 1,66 مليار درهم لصغار المدخرين، في حين استحوذت الصناديق الاستثمارية والمؤسسات المالية الوطنية والأجنبية على الحصة المتبقية، وذلك عبر شبكة منسقة من البنوك وشركات الوساطة تصدرتها Attijari Finance Corp باعتبارها بنكا مرافقاً رئيسياً للعملية.
خلال حفل أول تسعير بالسوق، الذي احتضنته قاعة التداول ببورصة الدار البيضاء، قدم محمد سعد، نائب المدير العام للبورصة، قراءة رمزية للأرقام، معتبراً أن قوة الإقبال على سهم SGTM تتجاوز بعدها المالي لتشكل “عملاً مواطناً جماعياً” يعكس إيمان شرائح واسعة من الأفراد والمؤسسات بمستقبل الاقتصاد الوطني وبقدرة البورصة على مواكبة المشاريع المهيكلة.
ولفت إلى أن العملية جاءت في سياق يعود فيه إجمالي رأسمال الشركات المدرجة إلى عتبة 1.000 مليار درهم، وهو مستوى ساهم فيه إدراج SGTM بحصة مهمة، مع تموضع السهم مباشرة ضمن الدرجة الرئيسية A وضمن قائمة القيم الـ15 الأولى من حيث الرسملة والسيولة، ما يضيف عمقاً ووزناً جديدين للمؤشرات المرجعية وفي مقدمتها مؤشر MASI.
كما شدد على أن التنوع اللافت في قاعدة المكتتبين، الذي شمل مستثمرين أفراداً ومؤسسات من داخل المغرب وخارجه ومن عشرات الجنسيات، يمنح العملية بعداً دولياً ويُظهر جاذبية السوق المغربية في ظرفية عالمية متقلبة.
في الاتجاه ذاته، اعتبر إبراهيم بن جلون تويمي، رئيس مجلس إدارة البورصة، أن إدراج SGTM يجسد قدرة السوق على مرافقة “قصص نجاح مغربية راسخة” إلى جانب الفاعلين الجدد في قطاعات الاقتصاد الرقمي والابتكار، ما يخلق توازناً بين شركات البنية التحتية التقليدية والاقتصاد الجديد تحت نفس السقف التنظيمي والتمويلي.
وربط هذا التطور بمسار تحديث الإطار القانوني لسوق الرساميل وتشجيع المجموعات العائلية الكبرى على اللجوء إلى البورصة ليس فقط بهدف جمع التمويلات، بل أيضاً من أجل إرساء حوكمة أكثر شفافية وإعداد انتقال سلس بين الأجيال داخل تلك المجموعات.
وأشار إلى أن الأرقام القياسية المسجلة في هذه العملية ترسل إشارة قوية لأرباب المقاولات حول قدرة السوق على تعبئة موارد ضخمة في آجال قصيرة عندما تتوافر المشاريع الجذابة والمعطيات المالية الواضحة.
على مستوى الشركة نفسها، قدم حمزة قباج، المدير العام لـ SGTM وواحد من أبناء المؤسس محمد قباج، الاكتتاب على أنه “منعطف استراتيجي” في مسار مجموعة عائلية 100% مغربية راكمت على مدى أكثر من خمسة عقود تجربة واسعة في أوراش البنية التحتية الكبرى داخل المملكة وخارجها.
وأوضح أن فتح 20% من الرأسمال أمام العموم ينسجم مع رؤية تروم تعزيز الطابع المؤسساتي للحكامة داخل المجموعة، وتوسيع قاعدة المساهمين لتشمل مستثمرين أفراداً ومؤسساتيين، وتحسين مستوى الشفافية في تداول المعلومة المالية، بما يمهد لمراحل جديدة من التوسع في القارة الإفريقية التي تشكل أحد محاور النمو المستقبلي للشركة.
وذكّر بأن SGTM رسخت مكانتها كشريك رئيسي للدولة والمؤسسات العمومية وشبه العمومية في إنجاز سدود كبرى، ومحاور طرقية، وموانئ، ومنشآت طاقية ومعمارية معقدة، ما يمنحها مرجعية تشغيلية قوية تستند إليها في هذه المرحلة الجديدة كقيمة مدرجة.
تعكس المؤشرات المالية الأخيرة صلابة القاعدة التي ينطلق منها هذا الطرح؛ إذ انتقلت مداخيل SGTM من حوالي 8,7 مليارات درهم سنة 2022 إلى نحو 10 مليارات درهم في 2024، مع أهداف طموحة برفع رقم المعاملات إلى ما بين 14 و14,3 مليار درهم في 2025، وبلوغ عتبة 20 مليار درهم في أفق 2031، اعتماداً على دفتر طلبات يتجاوز 37 مليار درهم يغطي عملياً كامل رقم معاملات سنة 2025 ونسبة تناهز ثلثي رقم معاملات 2026، إضافة إلى نسب معتبرة للسنوات اللاحقة حتى 2028.
وتُظهر هوامش الربحية التشغيلية هامش أرباح قبل الفوائد والضرائب والإهلاك في حدود 17% تقريباً، بينما يدور هامش الربح الصافي حول 8,5% مع استهداف بلوغ صافي ربح في حدود 2 مليار درهم على المدى المتوسط، في سياق يُتحكم فيه في المديونية الصافية عند حوالي 830 مليون درهم وبنسبة لا تتجاوز ثلث الأموال الذاتية، ما يسمح بهامش مناورة مريح لتمويل الاستثمار دون تعريض التوازن المالي للاهتزاز.
على مستوى التقييم، تشير مذكرات التحليل الصادرة عن بنوك استثمار وشركات وساطة إلى أن القيمة النظرية لـ SGTM تقارب 26,7 مليار درهم بعد احتساب ديون في حدود 1,44 مليار درهم، بما يترجم إلى قيمة عادلة للسهم بين 445 و453 درهماً بناء على نماذج التدفقات النقدية المخصومة ومقارنات مع شركات مدرجة مماثلة، ما يعني أن سعر الطرح تضمن خصماً يراوح بين 5,6% و12% لصالح المستثمرين الأوائل.
ويأتي هذا الإدراج كثالث أكبر عملية اكتتاب أولي في سنة 2025 من حيث المبالغ المعبأة، بعد عمليتي Vicenne وCash Plus، في سياق دينامية جديدة يعرفها سوق الرساميل المغربي عنوانها الأبرز عودة المجموعات العائلية والخدماتية الكبرى إلى قاعة التداول، بما يعيد رسم ملامح بورصة الدار البيضاء كمنصة لتمويل الاقتصاد الحقيقي أكثر منها فضاءً لمضاربات ظرفية محدودة الأثر.





