د. إدريس الفينة
ما نلاحظه اليوم هو أن تداعيات أزمة فيروس كورونا ليست بالاعتيادية. الدول الكبرى بنفسها تجد صعوبة في التعاطي ومواجهة هذه التداعيات وتحديد الحلول المؤقتة إلى حين أن تتوضح الأمور لوباء يحمل أسرارا متعددة. فالعالم لم يسبق له أن واجه أزمة من هذا القبيل، والتي تتميز بضربها لبديهيات النظريات الاقتصادية المتعارف عليها والمتمثلة في الإنتاج المستمر والتبادل الحر.
ولحدود اليوم لا نعرف موقعنا من هذه الأزمة هل نحن في البداية أو في وسطها أو في النهاية. كما أن الحلول التي يمكن تقديمها لا يمكن أن تكون الى على المدى القصير جدا.
ولابد أن نعلم أن كلفة الحلول مرتبطة بمدى احترام المواطن للحجر الصحي وكل التحذيرات المرتبطة به. فكلفة تدخلات الدولة يمكنها أن ترتفع بشكل كبير جدا في حالة عدم احترام مختلف التوجيهات التي يفرضها الوضع. المواطن يجب أن يعرف أنه هو من سيتحمل الكلفة النهائية والدولة عليها أن تعرف أن أمن الوطن والاستقرار من مسؤوليتها من خلال القرارات التي تتخذها لوحدها.
والتعاطي مع الأزمة لابد أن يبقى جد مرن وبشكل شبه يومي وعلى أقصى تقدير أسبوعي. وأن يتم بشكل دوري تقييم الوضع وصياغة الحلول الذكية التي تتماشى مع المعطيات الجديدة. هذا يعني أنه لا يجب الدخول في حلول جذرية اليوم لأنها ستكون جد مكلفة ويمكن أن تؤدي الى انهيارات لاقتصاديات بعض الدول.
يمكن التمييز هنا بين أربع مجموعات من الدول وقدرتها على مواجهة تداعيات أزمة فيروس كورونا. الدول ذات العملات الرائدة عالميا لها قدة على تحمل الصدمة لكن خلال مدى لا يتعدى ستة إلى تسعة أشهر. فالولايات المتحدة الأمريكية التي تتوفر على أقوى عملة في العالم مدعومة باقتصاد قوي تعرف اليوم ارتباكا كبيرا في التعاطي مع تداعيات هذه الأزمة.
فرغم ان هذا البلد لن يجد صعوبة في تمويل كل الحلول التي ترمي للحد من الآثار السلبية على الاقتصاد إلا أن هذه القدرة تبقى محدودة في الزمن ومرتبطة باستمرار ثقة المتعاملين المحليين والدوليين في هذا الاقتصاد وفي عملته. فنظامه البنكي سيستمر في تمويل الحلول التي تطرحها الدولة شريطة ألا تقع انهيارات كبيرة على مستوى المقاولات الكبرى الداعمة للاقتصاد وخلق الثروة.
كما أن الأزمة ستمر لها بكل تأكيد عبر التراجع القوي للاستهلاك. نفس الشيء بالنسبة لدول الاتحاد الأوروبي الذي يتوفر لحدود اليوم على عملة رائدة مدعومة باقتصاد قوي. وهي العملة التي يمكنه الاعتماد عليها لمدة محددة لضخ الملايير من الاورووات لإنقاذ اقتصاد أعضائه.
ونجد الأمر نفسه في كل من اليابان وكندا وانجلترا وكوريا الجنوبية … أما المجموعة الثانية فتضم الدول التي تتوفر على مدخرات كبيرة من العملات الرائدة . فباستطاعتها تدبير الأوضاع بشكل عقلاني في حدود ما تتوفر عليه من هذه المدخرات والمدة التي سيخرج منها العالم من هذه الأزمة. بالنسبة لباقي الدول التي تتوفر على اقتصاديات متوسطة غير مدعومة بعملة قوية فالأمر ليس بالسهل لكن أمامها عدد من الحلول.
فتدبير المدخرات القليلة من العملة الصعبة أمر أساسي بالحد من النفقات الخارجية أي الاستيرادات الغير الضرورية. كما أن اللجوء إلى الاقتراض أو الحد من النفقات الداخلية وأفكار أخرى يتم الترويج لها هنا وهناك لابد لها من أن تدرس جيدا قبل تنفيذها.
أما مجموعة الدول الفقيرة فستجد نفسها أمام المساعدات الدولية المباشرة لكي تستمر أو أنها يمكن أن تسقط في رقعة فقدان السيادة بكل أشكالها.
فلحدود اليوم لانعرف في أي مستوى توجد هذه الأزمة : هل نحن في البداية او الوسط أو في المراحل الأخيرة من عمرها. الجواب ليس سهلا رغم أن وثيرة الانتشار في تراجع فلا أحد له القدرة على الجواب. فالصين رغم أنها تعطي الانطباع أنها خرجت من الأزمة فهذا الأمر يبقى صحيح نسبيا. لأن جزءا هاما من المصانع لازال متوقفا، إما بسبب الحجر الجزئي أو بسبب فقدان الطلبيات العالمية. فهذا البلد يعتمد نموه في جزء كبير منه على الطلب الخارجي الذي سيتبعه الموجة الارتدادية الثانية المتمثلة في انهيار الشركات الكبرى. أي أنه مادامت باقي دول العالم في ازمة فلا يمكن للاقتصاد الصيني أن يتحرك بل يمكن أن ينهار في أي وقت إذا استمرت هذه الأزمة عكس ما يعتقده البعض.
فيروس كورونا خلق وضعا جديدا في العالم يحتاج لاجتهاد كبير على ثلاث مستويات، المستوى الأول مرتبط بالتدبير الآني للأزمة والمستوى الثاني مرتبط باحتمال التعاطي مع الأزمة على الميدان أي التعايش، والمستوى الثالث مرتبط بالتحضير لما بعد الأزمة.