التنمية المستدامةرئيسية

أزمة المياه والأسواق تُربكان قطاع الحوامض.. ومراكش تحتضن مؤتمر الإنقاذ

يحتضن المغرب، خلال الفترة الممتدة من 13 إلى 15 ماي 2025، بمدينة مراكش، فعاليات المؤتمر العلمي الوطني الأول لقطاع الحوامض تحت شعار: “تحديات قطاع الحوامض: ما هي آليات العمل المستقبلية الممكنة؟”. ويأتي هذا المؤتمر في سياق وطني ودولي دقيق، حيث يواجه القطاع تحديات كبيرة، مناخية واقتصادية، ويطمح إلى بلورة رؤى استراتيجية كفيلة بضمان استدامته وتعزيز قدراته التنافسية داخليا وخارجيا.

المؤتمر، الذي تنظمه الفيدرالية البيمهنية للحوامض بالمغرب “ماروك سيتروس” تحت رعاية وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، يشكل محطة محورية في مسار هذا القطاع الحيوي، باعتباره مناسبة لتشخيص الأوضاع الراهنة وتبادل الرؤى بين المهنيين والخبراء والمؤسسات الوطنية والدولية حول السبل الكفيلة بمواجهة التحديات المتعددة الأبعاد التي يمر بها القطاع.

 

ماروك سيتروس: إطار مهني يجمع مختلف الفاعلين

تعتبر “ماروك سيتروس” بموجب القانون 03.12 الإطار التمثيلي المهني الذي يضم مختلف المتدخلين في سلسلة قيمة إنتاج الحوامض، من الإنتاج إلى التثمين والتصدير. ففي مجال الإنتاج، نجد جمعيات مهنية كـ ASPAM، وAPNM، وAMAPAC، في حين يشكل كل من ASCAM، AMITAG، وCitrus Export النواة الأساسية في مرحلة التثمين والتصدير.

هذا التنظيم التشاركي يعكس إرادة قوية لتوحيد الجهود وتنسيق السياسات للنهوض بالقطاع ومواكبة التحولات الداخلية والخارجية.

 

قطاع الحوامض: أرقام ومؤشرات

يلعب قطاع الحوامض دورًا محوريا في الاقتصاد الفلاحي المغربي، حيث يؤمن مصدر رزق مباشر لأكثر من 13 ألف أسرة قروية، ويخلق حوالي 32 مليون يوم عمل في البساتين سنويًا، بالإضافة إلى آلاف فرص الشغل في خمسين محطة تلفيف وأربعة مصانع لإنتاج العصير.

يبلغ الإنتاج السنوي للقطاع أزيد من 1.5 مليون طن، يتم توجيه ثلثيها للسوق الداخلية، فيما يُصدَّر الثلث الباقي نحو الأسواق الدولية، سيما الأوروبية منها، بحوالي 500 ألف طن سنويًا، ما يساهم في جلب العملة الصعبة وتخفيف عجز الميزان التجاري الوطني.

 

مرحلة ازدهار تبعتها انتكاسة

شهد القطاع بين 2010 و2016 فترة ازدهار ملحوظة بفضل إصلاحات هيكلية همت الخوصصة الجزئية لأراضي الدولة (صوديا) وتنفيذ استراتيجية المغرب الأخضر. فقد ارتفعت المساحات المزروعة من 98 ألف هكتار إلى 128 ألف هكتار، ما أدى إلى قفزة في الإنتاج من 1.6 إلى 2.6 مليون طن.

غير أن هذه الدينامية لم تدم طويلاً، إذ انقلب المشهد ابتداءً من سنة 2016 بسبب التغيرات المناخية، خاصة الجفاف، ما دفع المزارعين إلى اقتلاع أعداد كبيرة من الأشجار. وكنتيجة لذلك، تقلصت المساحات المزروعة بنسبة 29%، لتصل إلى 91.342 هكتار فقط سنة 2024.

ورغم هذا التراجع، تظل بساتين الحوامض المغربية شابة ونشيطة، حيث أن نصفها يتكون من أشجار عمرها أقل من 15 سنة، وتنتج أصناف ذات جودة عالية.

 

الناظوركوت: فخر الحوامض المغربية

من أبرز النجاحات التي حققها القطاع هو تطوير صنف “الناظوركوت”، الذي اكتُشف في المغرب على يد الباحث الزراعي السيد الناظوري، وهو خليط بين اسم مكتشفه والنبتة الأصلية “موركوت”. يُعد هذا الصنف من بين الأعلى قيمة مضافة في السوق العالمية، حيث يُصدَّر إلى أكثر من 40 دولة بفضل جودته العالية وقدرته الإنتاجية الممتازة وتجانس حجمه، إضافة إلى ملاءمته لفترة الجني التي تمتد إلى نهاية أبريل.

وما يميز الناظوركوت هو التنظيم الصارم الذي تخضع له زراعته من طرف جمعية منتجي الناظوركوت، بما في ذلك احترام دفتر التحملات والمناطق المخصصة للزراعة، وهو ما جعله محميا بتسمية في أوروبا ومرغوبا به من طرف المنتجين العالميين.

 

تحديات التصدير في زمن المنافسة الشرسة

لم يسلم قطاع التصدير من رياح التغيير، خاصة بعد انكماش السوق الروسية لصالح منافسين كتركيا ومصر. هذا التحدي فرض على المهنيين إعادة النظر في استراتيجياتهم، ما أدى إلى التوجه نحو أسواق أكثر تطلبا من حيث الجودة وتتبع المنتجات، مثل السوق الأوروبية.

وقد ساهم هذا التوجه في رفع المعايير وتحقيق تحسينات ملحوظة في جودة المنتجات، كما تم اعتماد شهادات دولية مثل GlobalGAP وSMETA وGRASP، والتي لم تعد مجرد أدوات تسويقية، بل أصبحت مؤشرات ثقة لدى الموزعين العالميين.

 

البرتقال المغربي: بين التحديات والفرص

يُعد البرتقال من الأصناف التي تواجه صعوبات متزايدة في التصدير، أبرزها المنافسة المصرية ووجود عراقيل لوجستية وتصديرية أثرت سلبًا على حجم الصادرات وأدت إلى تقليص موسم التصدير بشهرين، مما أثر أيضًا على محطات التلفيف التي لم تعد تشتغل إلا خمسة أشهر في السنة.

كما تأثرت مصانع العصير بسبب انخفاض كميات البرتقال الموجهة للتصدير، ما قلص من توافر المادة الأولية لديها. وقد حاول المنتجون تمديد موسم جني البرتقال حتى الصيف للاستفادة من ارتفاع الأسعار، لكن ذلك تسبب في إنهاك الأشجار وتراجع مردوديتها في الموسم الموالي.

غير أن انخفاض الإنتاج في البرازيل، أحد أكبر منتجي البرتقال عالميًا، نتيجة الإصابة بفيروس الغرينينغ، خلق فرصة أمام المغرب للاستفادة من فراغ السوق العالمية وتوسيع حصته التصديرية.

 

الموارد المائية: التحدي الأكبر

يظل ندرة المياه هو التهديد الأكبر الذي يواجه قطاع الحوامض. فالمغرب يعاني من سنوات متتالية من الجفاف، وتخصيص المياه الصالحة للشرب يُحتمل أن يُقيِّد استخدامات المياه المحلاة في الري.

هنا تبرز الحاجة إلى تعبئة شاملة، تقودها السلطات العمومية والمهنيون، لإعداد خطة مستقبلية تؤمن الولوج المستدام للموارد المائية. ويتطلب هذا إطلاق مشاريع تحلية إضافية وبناء “طرق سيّارة للماء”، إلى جانب دراسات معمقة تفضي إلى حلول عملية وتشاركية.

 

اختلالات السوق: إشكالية هيكلية

يعاني القطاع أيضًا من اختلالات في تنظيم الأسواق، كما أشار إلى ذلك مجلس المنافسة في تقريره لسنة 2024. ومن أبرز هذه الاختلالات: تفتيت الملكيات الزراعية، ضعف القدرة التفاوضية للمنتجين، هيمنة الوسطاء، وغياب مسالك تسويق حديثة وشفافة.

ولمواجهة هذا الوضع، يجب تحديث البنيات التحتية، تقليص حلقات الوساطة، اعتماد نظام حديث لتثمين الإنتاج، وتعزيز آليات التبريد والنقل من أجل تقليص الخسائر بعد الجني.

كما يُعد إصلاح الإطار القانوني المنظم لأسواق الجملة من المطالب الملحة، إلى جانب تسهيل الولوج المباشر للأسواق الدولية والرفع من نصيب المنتج في القيمة المضافة.

 

اليد العاملة المؤهلة: عنصر مهدد

رغم مساهمة قطاع الحوامض في خلق فرص شغل مهمة، إلا أنه يواجه صعوبة متزايدة في الحصول على يد عاملة مؤهلة. ويُعزى ذلك إلى تفضيل العديد من العمال الفلاحيين برامج الدعم الاجتماعي المباشر على الانخراط في وظائف موسمية يتم التصريح بها اجتماعيا.

وللخروج من هذا المأزق، تُطرح ضرورة خلق نموذج تعاوني جديد للعمال الفلاحيين، بتنسيق بين وزارة الفلاحة والكونفدرالية المغربية للفلاحة والتنمية القروية (كومادير)، يضمن استمرارية العمل وكرامة العامل وتنافسية القطاع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى