
كشف تقرير حديث صادر عن المركز البحثي الدولي المتخصص في شؤون الطاقة “Ember” أن صادرات الألواح الشمسية الصينية إلى إفريقيا سجلت زيادة بنسبة 60 في المائة مقارنة بالسنة السابقة، منتقلة من 9,379 ميغاواط إلى 15,032 ميغاواط، في ما اعتُبر أولى المؤشرات الدالة على انطلاقة الطاقة الشمسية في القارة.
في هذا السياق، برز المغرب كأحد أكبر مستوردي الألواح الشمسية في إفريقيا، محتلاً المرتبة الرابعة على مستوى القارة، بواردات بلغت 915 ميغاواط خلال الفترة المذكورة. وتقدمت عليه ثلاث دول إفريقية فقط، هي جنوب إفريقيا التي تصدرت القائمة بحجم واردات بلغ 3,784 ميغاواط، تليها نيجيريا بـ1,721 ميغاواط، ثم الجزائر بـ1,199 ميغاواط. ويعكس هذا الترتيب التزام المغرب المتواصل بتسريع الانتقال نحو الطاقة النظيفة، وتأكيد موقعه الرائد على المستوى الإقليمي والدولي في مجال الطاقات المتجددة، خاصة في ظل استثماراته الكبرى في مشاريع ضخمة مثل مركب نور ورزازات.
ولم يقتصر نمو واردات الألواح الشمسية على الدول الأربع الأولى فحسب، بل شمل غالبية بلدان القارة، حيث سجلت 20 دولة إفريقية أرقاماً قياسية جديدة في وارداتها من هذه التقنية خلال عام واحد فقط، مقابل 15 دولة في السنة التي سبقتها. كما سجلت 25 دولة واردات فاقت 100 ميغاواط، ما يعكس تسارعاً جماعياً نحو حلول الطاقة المتجددة، وتوجهاً جديداً لدى العديد من الحكومات الإفريقية نحو تقليص الاعتماد على الوقود الأحفوري وتحقيق أمن طاقي مستدام.
غير أن التقرير أشار إلى أن هذا الزخم في واردات تقنيات الطاقة الشمسية لا يخفي استمرار الفجوة الكبيرة بين ما تستورده الدول الإفريقية من الألواح الشمسية، مقارنة بوارداتها من النفط المكرر. ففي المغرب، على سبيل المثال، بلغت واردات النفط المكرر ما يزيد عن 80 ضعف واردات الألواح الشمسية، في حين تجاوزت هذه الفجوة 100 مرة في نيجيريا، و32 مرة في مصر. وحدها الجزائر سجلت تقارباً نسبياً، حيث لم تتجاوز الفجوة بين واردات النفط والألواح الشمسية مرتين فقط، وهو ما يشير إلى بداية تحول في نمط الاستهلاك الطاقي داخل بعض الاقتصادات الإفريقية.
رغم هذه الفجوة، أظهر التقرير تفاؤلاً واضحاً بشأن الأثر المحتمل لتركيب الألواح الشمسية على إنتاج الكهرباء في القارة. وأفاد بأن تركيب الألواح المستوردة خلال عام واحد فقط في 16 دولة إفريقية يمكن أن يساهم في إنتاج ما يفوق 5 في المئة من إجمالي الكهرباء الوطنية. وفي بعض الحالات الخاصة، مثل سيراليون، يمكن أن يعادل هذا الإنتاج حوالي 61 في المئة من إجمالي الكهرباء المنتجة خلال سنة 2023، وهو ما يمثل دفعة نوعية غير مسبوقة لشبكات الكهرباء المحلية، خاصة في المناطق التي تعاني من ضعف الربط الكهربائي.
ويمثل هذا التوسع في استيراد الألواح الشمسية خطوة مهمة نحو تحقيق الأهداف المناخية والتنموية في إفريقيا، لا سيما في ظل تراجع أسعار التكنولوجيا وتوفر حلول مبتكرة للتخزين والتوزيع. في المغرب، الذي يطمح إلى بلوغ نسبة 52 في المئة من الطاقة المتجددة ضمن مزيجه الطاقي بحلول 2030، فإن هذه الواردات تمثل دعماً إضافياً لتسريع وتيرة الانتقال الطاقي، وتعزيز مكانته كنموذج إقليمي يحتذى به في مجال الاستدامة البيئية.
ورغم هذا التقدم، لا تزال هناك تحديات كبيرة أمام التحول الشامل إلى الطاقة النظيفة، من أبرزها الحاجة إلى تطوير شبكات النقل والتوزيع الكهربائية لاستيعاب الطاقة المنتجة، وتوفير التمويلات اللازمة لتركيب الألواح على نطاق واسع، فضلاً عن التغلب على العراقيل البيروقراطية والتقنية التي تواجه العديد من المشاريع في بداياتها.
في المقابل، تتيح هذه الدينامية الجديدة فرصاً كبيرة لإفريقيا، أبرزها خلق فرص شغل خضراء في قطاعات تركيب وصيانة الأنظمة الشمسية، وتوسيع قاعدة الولوج إلى الكهرباء، خاصة في المناطق النائية، إلى جانب تقليص التبعية للوقود الأحفوري المستورد، وخفض انبعاثات الغازات الدفيئة بما يتماشى مع الالتزامات المناخية العالمية.






