متابعات

فعاليات سياحية وثقافية تناقش مفهوم “البهجة المراكشية”

بدعوة من المجلس الجهوي للسياحة بمراكش-آسفي، وبشراكة مع المكتب الوطني المغربي للسياحة، نُظِّمَت أول أمس السبت بمراكش، ندوة “البهجة: مرتكزات وإشعاع”، التي خصصت لبحث مفهوم “البهجة”، فرحة الحياة المشتركة التي يختص بها سكان جهة مراكش، والتي تعد مزيجا فريدا من الحكمة الشعبية الغنية والعميقة المتوارثة، والفلسفة المعاصرة للحياة وما تجلبه من رفاهية وطمأنينة وخفة للحياة اليومية.

وقال بلاغ للمنظمين إن الندوة، التي أعطى انطلاقة أشغالها، حميد بن الطاهر، رئيس المجلس الجهوي للسياحة بمراكش-آسفي ورئيس الكنفدرالية الوطنية للسياحة، عرفت مشاركة كل من مجلس الجهة، مجلس المدينة، مجلس جماعة المشور القصبة، السلطات المحلية والجمعيات المهنية للسياحة، بالإضافة إلى التعاون الثمين لجامعة القاضي عياض.

كما شهدت مداخلات لممثلين عن مختلف الجمعيات الجهوية للقطاع السياحي، منها الجمعية الجهوية للصناعة الفندقية، الجمعية الجهوية لوكالات الأسفار بمراكش، الجمعية الجهوية لمطاعم ولاية مراكش-آسفي، الجمعية الجهوية للمرشدين السياحيين، بالإضافة إلى ممثلي المجالس الإقليمية للسياحة، والذين تحدثوا عن أهمية “البهجة”، مصدر هوية وافتخار للسكانِ، وقوة جاذبيت للزوار.

بعد ذلك، قدم البشير لخضر، الأستاذ الباحث بجامعة القاضي عياض، عرضا موجزا حول أشغال اليوم العالمي للسعادة والبهجة، الذي تم الاحتفال به بمراكش يوم 13 مايو الماضي.

ثم تناول الكلمة نوفل بن صاري، خبير – مستشار في هندسة العلامات التجارية والتواصل، الذي قدم عرضا حول مبادرات وإنجازات ائتلاف « BAHJA SPIRIT » ( روح البهجة)، الذي يبدل جهودا مكثفة من أجل توطيد وتثمين ونشر هذا التراث. ويرى بن صاري أن “البهجة” في جهة مراكش تمتلك القدرة على تجسيد مُتَخيَّل هوياتي كبير مميز وجذاب، والذي يمكن أن تقدمه للعالم، على غرار Dolce Vita الإيطالية، و Alegria الإسبانية، وPura Vida في كوستا ريكا.

وحدد بن صاري البهجة باعتبارها حالة ذهنية متعددة الأبعاد، « BAHJA SPIRIT »، تجمع بين ثلاثة مكونات وهي سلوك البهجة” (ATTITUDE BAHJA): من السرور والفرح والمزاج الجيد والفكاهة والدُعابة؛ و”أسلوب البهجة” (STYLE DE VIE BAHJA): من الهوية والأصالة والطيبوبة والتبادل والضيافة والمرح والتضامن؛ ثم “حكمة البهجة” (PHILOSOPHIE BAHJA): من الحكمة والروحنية والجوهرية والسكينة والوئام والامتنان والمرونة.

كما بين بن صاري، في معرض حديثه، كيف كانت “البهجة” مفيدة في مواجهة الزلزال الذي ضرب المنطقة، من خلال مختلف أبعادها، مشيرا على الخصوص إلى الحكمة والتضامن وقوة المرونة والصمود، التي دعمت تجاوز هذه المحنة عبر المساهمة في إعادة بناء الروح والكيان.

وتواصلت أشغال الندوة بتنظيم جلستين، تعلقت الأولى، تحت عنوان “إلهام البهجة”، باستكشاف المصادر والأسس التاريخية والأنتروبولوجية والفلسفية والروحية للبهجة، فيما وُضِعَت الجلسة الثانية تحت عنوان “حضارة البهجة”، وتمحورت حول فهم الحقول التعبيرية والإشعاع الاجتماعي والاقتصادي والثقافي والفني للبهجة.

الجلسة الأولى: “إلهام البهجة”

بالنسبة لعبد الإله مديش، الأستاذ الباحث بجامعة القاضي عياض، فإن “البهجة” المراكشية « تجد منبعها في لحظات بسيطة محاطة بالصداقة والمحبة، وكذلك في الشعور بالقيام بشيء جيد لأنفسنا وللآخرين؛ أي في شعور يتعارض مع الجشع ومع ثقافة السعي الدائم وراء الحصول أكثر ».

وتابع كريم العشاق، مهندس تصميم المشاهد، في نفس الاتجاه قائلا: « بالنسبة لي، البهجة هي هذه القدرة على جعل كل لحظة نوعية ورائعة. إنها إعطاء الأهمية لغير الملموس والاستمتاع بالفضاء والزمان: متعة الإحساس بإحراز التقدم في مشروع ما، كمشروع أخذ استراحة في العرصات أو حدائق المدينة، لارتشاف فنجان شاي، أو إيقاعات الدقة المراكشية مع العائلة أو الأصدقاء »، مضيفا أن: « البهجة هي تلك الحكمة التي علمتني الصبر ».

وقدمت حنان الطاهر، المدربة في مجال الحياة والتنمية الشخصية، التي شاركت أيضا في هذه الجلسة، تعريفها للبهجة المراكشية قائلة: « إنها تجمع في نفس الوقت بين سلوك التخلي، والارتباط بالحاضر، والعناية، بالإضافة أيضا إلى رؤية روحية، متعلقة بالمدينة باعتبارها مزارا جذابا. لقد عرفت مراكش كيف تخلق توازنا فريدا في العالم بين الجانب الروحي والرفاهية المادية. نأتي جميعا من مختلف أنحاء العالم إلى مراكش من أجل الاستمتاع أو عيش لحظة انسحاب مريحة. والبهجة ليس غربية عن كل ذلك. فهي تبث روح الفرحة والثقة والامتنان التي تولد محفزات إيجابية وتخلق وضعية عصبية بيولوجية كيماوية تعمل كدائرة فضلى داخلية حقيقية ».

الجلسة الثانية: “حضارة البهجة”

من جانبه، فتح البشير لخضر، الأستاذ الباحث بجامعة القاضي عياض بمراكش ومؤسس “مجموعة البحث حول اقتصاد السعادة”، مجال تحليل قلما يتم التطرق إليه، من خلال مقاربة البهجة من الزاوية الاقتصادية. وقال في مداخلته حول “اقتصاد السعادة”: « لقد برهن الأمريكيون على أن الأشخاص السعداء هم الأكثر فعالية في عملهم، ولديهم أفضل معدل مردودية. لذلك فإنه سيكون من المفيد قياس معدل البهجة في المقاولة، بل وتصنيف الشركات حسب هذا المعدل، كما يتم فعل ذلك على أساس السعادة في العمل، لأن مفهوم البهجة والسعادة يتلاقيان ». وأضاف لخضر أن: « البهجة، هي الطيبوبة والتضامن، وهي أيضا مرونة الروح والقدرة على الصمود، والحِلْمِ، التي تجعل الأشخاص والشركات والبلد أكثر صمودا على مستوى الاقتصاد الكلي ».

وقال محمد مرفوق، الباحث في علم الاجتماع في جامعة محمد الخامس بالرباط: « يستعمل المراكشيون البهجة، الفكاهة، بغرض خلق أجواء مرحة، وبيئة لطيفة ومضيافة حيث يشعر الجميع بالراحة واليسر. فنحن نعمل بشكل أفضل ونعيش بشكل أفضل عندما تكون البهجة بيننا ».

في الاتجاه نفسه، أوضح محمود سليمان، مهندس معماري تونسي مقيم بمراكش، أن: «روح البهجة تجعل من مراكش مدينة – قرية حيث نعيش وكأننا نعرف الجميع وحيث نستطيع تقاسم كل شيء. بالنسبة لي، رأت البهجة النور في ساحة جامع الفنا، هذه “المحطة” التي تلاقى فيها التجار القادمون من أوروبا وإفريقيا، وحيث يستقبلهم المراكشيون بسرور وكرم ».

وذكر الشاعر والكاتب عبد الغني فنان، الأستاذ الباحث بجامعة القاضي عياض، أيضا بأهمية ساحة جامع الفنا: « منذ قرون والمسافرون ينبهرون أمام هذا المسرح المفتوح في الهواء الطلق حيث تلتقي الموسيقى والرقص والحكي والفكاهة والهزل الذاتي، الذي شكّل بعمق روح كل المراكشيين. الكتابة عن مراكش دون الحديث عن البهجة، هذا الفرح الذي يهيمن على المدينة، أمر مستحيل بكل بساطة ».

وتابع الوسيط الثقافي ياسر يرجي على نفس المنوال، مضيفا: « هذه الطريقة المراكشية، المغربية، الخاصة لنقل الفرح لكل من نصادفه، تشكل ثروة حقيقية. فبابتسامته، يؤثر البقال على يوم زبونه. كما أن حرارة الاستقبال في فضاء ثقافي تجعل الزوار يشعرون على الفور بالراحة وتخلق الارتباط. البهجة هي المشاركة، وهي أيضا إعطاء الأولوية للإنسان».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى