
بقلم: حسن خرجوج
خبير في التطوير المعلوماتي
ما حدث فعلاً هو أن جيل Z اختار الانتقال إلى فضاء رقمي مجهول لدى الغالبية العظمى، إلى منصة مثل Discord التي لا يعرفها إلا من هم من اللاعبين (مثلي لا زلت مرتبطًا بلعبة Counter Strike) أو من يعيش الثقافة الرقمية الحديثة بكل تفاصيلها.
المفارقة أن بعض شباب جيل Z الذين لا علاقة لهم بالألعاب وجدوا صعوبة في التأقلم معها في البداية، لكن هنا يتضح الذكاء الجمعي لهذا الجيل.
القصة ليست مجرد اختيار منصة غريبة، بل هي استراتيجية تواصلية متقنة؛ فقد استدرج الجيل الجديد “الآخر” نحو ساحة رقمية هو الذي يرسم فيها شروط اللعب، من اللغة إلى الميمات إلى نمط الخطاب.
تصوّرها كـ”معركة وادي المخازن الرقمية”، حيث قال أبو مروان عبد الملك للملك سيباستيان: «إني قد قطعت للمجيء إليك ست عشرة مرحلة، فهلا قطعت أنت مرحلة واحدة لملاقاتي؟»
المعنى واضح: “تعال إلى الميدان الذي أفرض فيه قواعدي وطريقتي في التواصل”. وهنا بدأ الارتباك الحقيقي.الأحزاب السياسية التي كانت معتادة على التواصل العمودي عبر البلاغات والخطب والبيانات الرسمية وجدت نفسها خارج اللعبة تمامًا.
حاولت إعادة الشباب إلى المنصات التقليدية وأساليب الخطاب القديمة، لكنها اصطدمت بجدار من الرفض الهادئ والمستتر، بمعنى: “احترم لغتنا، وإلا فلن نسمع لك”.
بالنسبة لجيل Z، المسألة ليست “أين سنناقش” بل “كيف سيكون النقاش، وبأي منطق، وبأي إيقاع”. هي معركة رمزية لفرض الاحترام، لا بحثًا عن بديل.
أما المسألة الثانية فهي تواصلية وتقنية بعمق. السياسيون عبر السنوات اعتادوا العمل فقط عبر الوسائط الرسمية: بلاغ، وثيقة، أو تواصل صحفي مضبوط.
كثير منهم حتى نهاية 2025 كانوا مقتنعين أن “النقاش الرقمي مضيعة للوقت” وأنه لا ينتج أثرًا حقيقيًا. لكن جيل Z فهم اللعبة بطريقة مختلفة.
Discord بالنسبة لهم ليس مجرد تطبيق، بل بنية اتصالية مغلقة ومنظمة بدقة هندسية. تصميم السيرفر وحده قد يربك أي شخص قادم من بيئة مثل فيسبوك أو واتساب، لأن نظامه لا يعتمد على “منشور وتعليق”، بل على طبقات تنظيمية: أدوار، صلاحيات، قنوات، روبوتات، تفاعل لحظي، وبنية بيانات داخلية.
بمعنى آخر، المعلومة لا تصل للجميع، بل تصل فقط لمن يعرف كيف يجدها ويديرها داخل منظومة مغلقة ومترابطة.وهنا يظهر معطى جديد: جيل Z لم يكن يلعب، بل كان يصمم بوعي تكنولوجي محض أرض معركة رقمية جديدة يصعب دخولها بالعقليات البدائية القديمة.
في هذه الحالة، لم تكن منصة Discord مجرد “ملجأ” للشباب، بل مختبر رقمي لذكاء جماعي جديد يعيد تعريف معنى التنظيم والخطاب داخل الفضاء الرقمي.






