بنوك وتأميناترئيسية

مفاوضات هولماركوم لاقتناء BMCI.. هذه سيناريوهات ميلاد عملاق بنكي جديد

تتّجه الأنظار هذه الأيام إلى الكواليس البنكية في الدار البيضاء، حيث أكدت مجموعة هولماركوم، في بلاغ عمم في الساعات الأولى من صباح اليوم، دخولها في مفاوضات حصرية مع المجموعة الفرنسية BNP Paribas من أجل اقتناء حصتها في البنك المغربي للتجارة والصناعة BMCI، آخر بنك فرنسي ينشط مباشرة في السوق المغربي، في خطوة من شأنها أن تعيد رسم خريطة المساهمين في النظام البنكي الوطني إذا ما انتهت بتوقيع اتفاق نهائي.

في حال نجاح الصفقة، ستجد هولماركوم نفسها على رأس بنكَين مدرجَين في البورصة، هما “مصرف المغرب” الذي بات تحت سيطرتها منذ استكمال اقتناء 78,7% من رأسماله في 2024، والبنك المغربي للتجارة والصناعة الذي يعد من أقدم المؤسسات البنكية في المملكة، ما يفتح الباب أمام ولادة قطب بنكي جديد بوزن معتبر في السوق.

إمكانيةُ استحواذ هولماركوم على BMCI، ثم التوجّه على المدى المتوسط إلى دمجه مع مصرف المغرب، تعني عملياً تشكّلَ فاعل بنكي قادر على الاقتراب من الحلقة الأولى للبنوك الكبرى دون أن يعادل فوراً حجم التجاري وفا بنك أو البنك الشعبي أو بنك إفريقيا، إذ تُظهر تقارير بنك المغرب أن خمسة بنوك كبرى تستحوذ على أكثر من 75% من الأصول والقروض والودائع، مع تموقع البنك المغربي للتجارة والصناعة ومصرف المغرب حالياً ضمن الحلقة الثانية من حيث الحصص السوقية.

تجميع البنكين تحت مظلة هولماركوم سيرفع الحجم الإجمالي للميزانية، ويوسّع قاعدة الزبناء وشبكة الوكالات، ويخلق كتلة حرجة أقرب إلى حجم «الفاعلين الكبار» بما يمنح المجموعة قدرة تفاوضية وتمويلية أكبر في السوق الداخلية وأسواق الرساميل، غير أن تحويل هذه الكتلة إلى قوة تنافسية فعلية سيبقى رهيناً بجودة تنفيذ مخطط الاندماج وقدرة المجموعة على ترجمة الحجم إلى مردودية وابتكار وخدمات عالية القيمة.

أول سيناريو مطروح بعد إتمام الصفقة يتمثل في الإبقاء على BMCI و”مصرف المغرب” ككيانين مستقلين تحت مظلة مالية واحدة، مع توزيع الأدوار بينهما حسب الشرائح الزبونية وتموضع العلامة التجارية؛ إذ يمكن الدفع في اتجاه ترسيخ “مصرف المغرب” كبنك شامل موجَّه أساساً للطبقة المتوسطة والمقاولات الصغرى والمتوسطة، انسجاماً مع مخطط «CDM Boost 2028» الذي يراهن على تسريع النمو عبر الرقمنة والتوسع التجاري وتحسين الربحية، بينما يحتفظ BMCI بتموقعه كبنك للشركات الكبرى والزبناء المصدّرين والمستوردين مستفيداً من إرثه كشريك تاريخي للمجموعات الفرنسية وشبكة علاقاته الدولية، ما يمنح هولماركوم تنويعاً استراتيجياً في قاعدة الزبناء ومصادر الدخل دون الدخول مباشرة في تعقيدات اندماج هيكلي.

السيناريو الثاني، الذي يثير أكبر قدر من النقاش، هو الذهاب تدريجياً نحو اندماج مؤسسي بين البنكين لتشكيل بنك واحد بحجم أكبر وشبكة وطنية واسعة وقاعدة زبناء تتوزع بين الأفراد والمقاولات الصغرى والمتوسطة والشركات الكبرى؛ وهو ما يتيح إمكانيات مهمة لتحقيق اقتصاديات الحجم، وخفض التكاليف، وتعزيز القدرة التنافسية في التسعير والابتكار الرقمي، خاصة وأن مخطط «CDM Boost 2028» يستهدف مضاعفة قاعدة الزبناء ورفع الناتج البنكي الصافي إلى حوالي 4 مليارات درهم وتحقيق ربح صافٍ يقترب من مليار درهم في أفق 2028 عبر التحول الرقمي وترشيد التكاليف وتوجيه العرض نحو القطاعات ذات القيمة المضافة العالية.

إدماج BMCI في هذه الرؤية سيمنح هولماركوم منصة أوسع لتطبيق المقاربة نفسها على بنك موحّد أكبر حجماً وأكثر تنوعاً من حيث الشرائح الزبونية، ما يعزز موقع القطب الجديد في التصنيفات العربية والإفريقية في ظل نسب نمو معتبرة يحققها النظام البنكي المغربي وفق تقارير وكالات التصنيف الدولية.

من زاوية التموضع التجاري، يمكن لسيناريو الاندماج أن يخلق تكاملاً جغرافيا وقطاعيا لافتاً؛ فـ “مصرف المغرب” يتمتع بحضور تاريخي قوي في بعض الجهات الفلاحية والمدن المتوسطة، بينما ترتكز قوة BMCI على الزبناء من الشركات الكبرى والمتعاملين الدوليين في المحاور الحضرية الرئيسة، ما يعني أن تجميعهما في بنك واحد يتيح تنويع مصادر الدخل وتقليص تركّز المخاطر القطاعية واستغلال وفورات الحجم في تمويل كبار الزبناء من جهة، وتوسيع قاعدة التمويل الموجه للمقاولات الصغرى والمتوسطة والخواص من جهة أخرى، مع إمكانية تطوير عروض «بنك–تأمين» مستفيدة من حضور هولماركوم القوي في التأمين عبر “أطلانتا سند”.

غير أن هذا السيناريو لا يخلو من تحديات تنظيمية وتشغيلية، إذ إن اندماج مؤسستين لهما ثقافتان تنظيميتان مختلفتان وأنظمة معلوماتية معقدة يتطلب استثمارات ضخمة في تكنولوجيا المعلومات وتوحيد قواعد البيانات وإعادة هيكلة الشبكات والموارد البشرية، مع احترام متطلبات بنك المغرب في ما يتعلق بنِسَب الملاءة والسيولة وتدبير المخاطر الائتمانية والتشغيلية، فضلاً عن خضوع أي تركيز إضافي في السوق لتقييم مجلس المنافسة الذي سبق أن درس دخول هولماركوم إلى رأسمال “مصرف المغرب” وقد يفرض التزامات إضافية لضمان استمرارية المنافسة وحماية الزبناء.

في المحصلة، يشير مسار المفاوضات الجارية إلى أن المغرب مقبل على إعادة تموقع مهم داخل خريطة القطاع البنكي، سواء اختارت هولماركوم الإبقاء على بنكين مستقلين يخدمان شرائح سوقية مختلفة تحت المظلة نفسها، أو فضّلت في مرحلة لاحقة خيار الاندماج لإعطاء بعد أكبر لطموحها في بناء قطب بنكي وطني قوي؛ ونجاحها في تدبير هذه المراحل وتحويل المشروع إلى مؤسسة أكثر كفاءة وقدرة على الابتكار الرقمي والتمويل المستدام هو ما سيحسم عملياً في ما إذا كان المشهد البنكي المغربي بصدد استقبال «رابع عملاق» ينافس الكبار فعليا، أم مجرد تعزيز لحلقة البنوك المتوسطة بحجم أكبر دون تغيير جذري في موازين القوى داخل القطاع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى